فصل: تفسير الآيات (30- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (30- 34):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)}
30- أما الذين آمنوا بالله وبدينه الحق الذي يُوحى إليك، وعملوا ما أمرهم به ربهم من الأعمال الصالحة، فإنا لا نضيع أجرهم على ما أحسنوا من الأعمال.
31- هؤلاء لهم جنات يقيمون فيها منعَّمين أبدا، تنساب الأنهار من بين أشجارها وقصورها، يتحلون فيها بمظاهر السعادة في الدنيا، كالأساور الذهبية، وملابسهم فيها الثياب الخضر من الحرير على اختلاف أنواعه، متكئين فيها على السرر بين الوسائد والستائر، نعم الثواب لهم، وحَسُنت الجنة دار مقام وراحة، يجدون فيها كل ما يطلبون.
32- بيِّن- أيها الرسول- في شأن الكفار الأغنياء مع المؤمنين الفقراء مثلا وقع فيما سلف بين رجلين: كافر ومؤمن، وللكافر حديقتان من أعناب، وأحطناهما بالنخيل زينة وفائدة، وجعلنا بين الجنتين زرعا نضِراً مثمراً.
33- وقد أثمرت كل واحدة من الجنتين ثمرها ناضجاً موفوراً، ولم تنقص منه شيئاً، وفجَّرنا نهراً ينساب خلالهما.
34- وكان لصاحب الجنتين أموال أخرى مثمرة، فداخله الزهو بتلك النعم، فقال لصاحبه المؤمن في غرور وهما يتناقشان: أنا أكثر منك مالا وأقوى عشيرة ونصيرا.

.تفسير الآيات (35- 41):

{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}
35- ثم دخل إحدى جنتيه مع صاحبه المؤمن، وهو مأخوذ بغروره فقال: ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبدا!.
36- وما أظن القيامة حاصلة، ولو فرض ورجعت إلى ربى بالبعث كما تزعم، والله لأجدن خيراً من هذه الجنة عاقبة لى؛ لأننى أهل للنعيم في كل حال، فهو يقيس الغائب على الحاضر، ولا يعلم أن الغائب فيه الجزاء على الإيمان وفعل الخير.
37- قال صاحبه المؤمن مجيباً له: أتسوغ لنفسك أن تكفر بربك الذي خلق أصلك آدم من تراب، ثم من نطفة مائية، ثم صوّرك رجلا كاملا، فإن اعتززت بمالك وعشيرتك، فاذكر ربك وأصلك الذي هو من الطين.
38- لكن أقول: إن الذي خلقنى وخلق هذا العالم كله هو الله ربى، وأنا أعبده- وحده- ولا أشرك معه أحدا.
39- ولولا قلت عند دخولك جنتك والنظر إلى ما فيها: هذا ما شاء الله ولا قوة لى على تحصيله إلا بمعونة الله، فيكون ذلك شكراً كفيلا بدوام نعمتك. ثم قال له: إن كنت ترانى أقل منك مالا وأقل ولدا ونصيرا.
40- فلعل ربى يعطينى خيراً من جنتك في الدنيا أو الآخرة، ويرسل على جنتك قدَراً قدَّره لها كصواعق من السماء، فتصير أرضاً ملساء لا ينبت فيها شيء، ولا يثبت عليها قدم.
41- أو يصير ماؤها غائراً في الأرض لا يمكن الوصول إليه، فلا تقدر على إخراجه لسقيها.

.تفسير الآيات (42- 47):

{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)}
42- قد عاجل الله الكافر، وأحاطت المهلكات بثمار جنته، وأهلكتها، وأبادت أصولها، فأصبح يقلب كفيه ندماً وتحسراً على ما أنفق في عمارتها، ثم عاجلها الخراب، فتمنى أن لم يكن أشرك بربه أحدا.
43- عند هذه المحنة لم تكن له عشيرة تنصره من دون الله كما كان يعتز، وما كان هو بقادر على نصرة نفسه.
44- فإن النصرة في كل حال ثابتة لله الحق- وحده- وهو- سبحانه- خير لعبده المؤمن يجزل له الثواب ويحسن له العاقبة.
45- واذكر- أيها الرسول- للناس مثلا للحياة الدنيا في نضرتها وبهجتها ثم سرعة فنائها، بأنها كماء أُنزل من السماء فارتوى به نبات الأرض فاخضر وأينع، ثم لم يلبث طويلا حتى جف وصار يابسا متكسراً تفرقه الرياح، والله قادر على كل شيء إنشاءً وإفناءً.
46- المال والبنون جمال ومتعة لكم في الحياة الدنيا وهما قوتها، ولكن لا دوام لها، بل هي فانية غير باقية، والأعمال الصالحة الباقية خير لكم عند الله، يجزل ثوابها، وخير أمل يتعلق به الإنسان.
47- وأنذر الناس- أيها الرسول- بيوم يفنى هذا الوجود، فيزيل فيه الجبال، وتبصر فيه الأرض ظاهرة مستوية لا يسترها شيء مما كان عليها، ونحشر فيه الناس للحساب فلا نترك منهم أحدا.

.تفسير الآيات (48- 52):

{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)}
48- ويعرض الناس في هذا اليوم على الله في جموع مصفوفة للحساب، ويقول الله تعالى: لقد بعثناكم بعد الموت كما أحييناكم أول مرة، وجئتمونا فرادى بلا مال ولا بنين، وكنتم في الدنيا تكذبون بالبعث والحساب.
49- ووضع في يد كل واحد كتاب أعماله، فَيبْصره المؤمنون فرحين مما فيه، ويبصره الجاحدون خائفين مما فيه من الأعمال السيئة، ويقولون إذا رأوها: يا هلاكنا، إنا نعجب لهذا الكتاب الذي لم يترك من أعمالنا صغيرة ولا كبيرة إلا سجَّلها علينا، ووجدوا جزاء ما عملوا حقاً، ولا يظلم ربك أحداً من عباده.
50- واذكر- أيها الرسول- لهم بدء خلقهم ليعلموا أنهم من الطين، وليس لهم أن يغتروا بما هم فيه، ويخضعوا لعدوّ أبيهم إبليس، لأنه كان من الجن، فاستكبر وتمرد على الله، فكيف بعد ما عرفتم من شأنه تتخذونه وذريته أنصاراً لكم من دون الله، وهم لكم أعداء؟! قبُح هذا البدل لمن ظلم نفسه فأطاع الشيطان.
51- ما أحضرت إبليس ولا ذريته خلْق السموات والأرض، ولا أشهدت بعضهم خلْق بعض لأستعين بهم، وما كنت في حاجة إلى معين. فضلا عن أن أتخذ المفسدين أعواناً، فكيف تطيعون الشيطان وتعصوننى؟.
52- واذكر لهم يوم يقول الله للمشركين: نادوا الذين ادعيتم في الدنيا أنهم شركائى في العبادة ليشفعوا لكم بزعمكم، فاستغاثوا بهم فلم يجيبوهم، وجعلنا الآن ما كان بينهم هلاكاً للكفار بعد أن كان في الدنيا تواصل عبادة ومحبة.

.تفسير الآيات (53- 57):

{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)}
53- وعاين المجرمون النار فأيقنوا أنهم واقعون فيها، ولم يجدوا بديلا عنها مكاناً يحلُّون فيه.
54- ولقد ذكر الله للناس في هذا القرآن الذين كفروا به، وطلبوا معجزة أخرى غيره، أمثلة متنوعة ليعظهم بما فيها، ولكن الإنسان في طبيعته حب الجدل، فإذا كان جاحدا جادل بالباطل.
55- وما منع المشركين من الإيمان حين جاءهم سبب الهدى- وهو الرسول والقرآن ليؤمنوا ويستغفروا الله- إلا تعنتهم وطلبهم من الرسول أن تأتيهم سنة الله في الأولين، وهى الهلاك المستأصل الذي أتى الأولين، أو يأتيهم العذاب عياناً.
56- ولكن الله لا يرسل رسله إلا للتبشير والإنذار، ولم يرسلهم ليقترح عليهم المعاندون معجزات معينة، ولكن الذين كفروا يعرضون عن الحُجَّة، ويجادلون المرسلين بالباطل ليبطلوا الحق، وقد وقفوا من القرآن والنُّذر موقف المستهزئ الساخر الذي لا يُعْنى بطلب الحقائق.
57- وليس أحد أظلم ممن وُعِظ بآيات ربه فلم يتدبرها، ونسى عاقبة ما عمل من المعاصى. إنا بسبب ميلهم إلى الكفر جعلنا على قلوبهم أغطية، فلا تعقل ولا يصل إليها النور، وفى آذانهم صمما فلا تسمع سماع فهم، وإن تدعهم- أيها الرسول- إلى الدين الحق فلن يهتدوا ما دامت هذه طبيعتهم البتة.

.تفسير الآيات (58- 64):

{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}
58- وربك العظيم المغفرة لذنوب عباده، صاحب الرحمة الواسعة لمن أناب إليه منهم، ولو شاء أن يؤاخذهم بما اجترحوا من السيئات لعجَّل لهم العذاب كما سلف لغيرهم، ولكنه- لحكمة قدَّرها- أخرهم لموعد يذوقون فيه أشد العقاب، ولن يجدوا ملجأ يحفظهم منه.
59- وها هي ذى القرى الماضية التي دمرناها لما ظلم أهلها بتكذيب رسلهم، وجعلنا لهلاكهم موْعدا لا يتخلف، فكذلك حال المكذبين من قومك إذا لم يؤمنوا.
60- وإن علم الله لا يحيط به أحد، إلا أن يعطيه نبياً أو صالحاً، واذكر- أيها الرسول- أن موسى ابن عمران قال لفتاه- خادمه وتلميذه-: لا أزال أسير حتى أبلغ ملتقى البحرين أو أسير زمناً طويلاً.
61- فلما بلغ موسى وفتاه المكان الجامع بين البحرين، نسيا فيه حوتهما الذي حملاه بأمر الله، فانحدر في البحر واتخذ طريقه في الماء.
62- فلما ابتعد موسى وفتاه عن المكان، وأحسا بالجوع والتعب، قال موسى لفتاه: آتنا ما نتغذى به، لقد لقينا في سفرنا هذا تعبا ومشقة.
63- قال له فتاه: أتذكر حين التجأنا إلى الصخرة، فإنى نسيت الحوت، وما أنسانى ذلك إلا الشيطان، ولابد أن يكون الحوت قد اتخذ سبيله في البحر، وإنى لأعجب من نسيانى هذا.
64- قال له موسى: إن هذا الذي حدث هو ما كنا نطلبه لحكمة أرادها الله، فرجعا في الطريق الذي جاءا منه يتتبعان أثر سيرهما.

.تفسير الآيات (65- 73):

{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)}
65- حتى وصلا الصخرة، فوجدا عبداً من عبادنا الصالحين أعطيناه الحكمة، وعلمناه من عندنا علماً غزيراً.
66- قال موسى للعبد الصالح: هل أسير معك على أن تعلمن مما علمك الله؟.
67- قال له: إنك لن تستطيع الصبر على مصاحبتى.
68- وكيف يمكنك الصبر على شيء لا خبرة لك بمثله؟
69- قال موسى: سترانى إن شاء الله صابراً مطيعاً لك فيما تأمر به.
70- قال العبد الصالح: فإن اتبعتنى ورأيت ما تنكره، فلا تفاتحنى بالسؤال عنه حتى أحدثك عنه.
71- فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى وجدا سفينة، فركباها، فخرقها العبد الصالح في أثناء سيرها، فاعترض موسى قائلا: أخرقتها قاصداً إغراق أهلها؟ لقد ارتكبت أمراً منكراً!.
72- قال العبد الصالح: إننى قلت لك: إنك لن تستطيع الصبر على مصاحبتى.
73- قال له موسى: لا تؤاخذنى على نسيان وصيتك، ولا تكلفنى مشقة في تحصيل العلم منك وتجعله عسيراً.